أثناء مرحلة الإعادة للانتخابات الرئاسية في يونيو 2012 كانت هناك "ميمة" تدور على الفيس بوك تحتوي على صورة لحسن البنا الذي أسس جماعة الإخوان المسلمين في 1928 وكان نصها "على فكرة أنا مش إخوان وبختلف معاهم في مواقف كتير ولكن بحترمهم" التوقيع تحت المقولة كان منسوباً لحسن البنا، هذه الميمة إن أردت أن تترجمها في كلمة واحدة فهي تبغي أن تقول إننا قد كشفناكم أو بالعامية "فقسناكم" فهي ميمة تقطع بحقيقة أن الإخوان المسلمين قد تنكروا وقاموا بإختراق وسائط التواصل الاجتماعي (الإنترنت). وحتى إن كنا لا نملك الأدلة لأن هذا الإختراق يخلو من أي شفافية ولم يتم دراسته بشكل مفهوم أو مرتب، فميمات مثل هذه (انظر الشكل السابق) تنبه المواطنين في الواقع الإفتراضي أن عليهم الحذر وهم يتحركون على الانترنت.
لقد أصبح الفيس بوك من أهم مواقع الصراع الأيديولوجي التي يرغب الإخوان من خلالها السيطرة على العقول وفرملة الروح الديموقراطية السائرة في مصر. حيث ترغب الجماعة في تضييق مساحات الجدال وإسكات أصوات المخالفين وهي لتحصل على ذلك تتحرك كما يقول المفكر الجنوب أفريقي" بانتو ستيفي بيكو" الناشط الحقوقي ضد التمييز العنصري إن "السلاح الأقوى أو السلاح الأكثر فعالية في يد المستبد هو عقل الذين يستبد بهم."
منذ البداية، من ثماني عقود مضت والإخوان المسلمون وضعوا في أولوياتهم العمل داخل المؤسسات التي تتعامل أيديولوجياً وثقافياً مع الأطفال والشباب، فحسن البنا في النهاية كان معلماً في مدرسة وبالتالي فهو يعلم جيدا إن "من إمتلك الشباب إمتلك الدولة".
الإخوان قد كثفوا جهودهم في إتساق في مجالات التعليم والإعلام والتي يسميها عالم الإجتماع الفرنسي لويس آلثوسر "أجهزة الدولة الأيديولوجية"، وحتى في أكثر الفترات التي كانت فيها الجماعة مضطهدة ومحظورة احتفظت الجماعة بتواجدها داخل المدارس المصرية ومعاهد الدروس الخصوصية والمجموعات الخاصة لتدريب المدرسين داخل وخارج كليات التربية واتحادات الطلبة في الجامعات والنوادي الصيفية الرياضية والتجمعات الرياضية بعد اليوم الدراسي ، وكلها كانت مفاتيح لتخصيب الأرض أمام الإخوان لتكون صالحة لنمو الجماعة ونشر الأيديولوجية الإخوانية.
منذ بداية التسعينات والانفتاح الجديد الناتج عن تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات إستطاع الإخوان الدخول الى عالم الفضائيات التلفزيوني وحصلوا على مكانة متميزة واستطاعوا السيطرة على قناة متميزة "الجزيرة"، وكما وضحت أحد التقارير الخاصة بالصحفي والمعلق السياسي سلطان القاسمي "إن العلاقة الغرامية بين قناة الجزيرة العربية والإخوان المسلمين كانت واضحة منذ إنشاء القناة" ، كانت قناة الجزيرة العربية منذ إنشاءها الناطق بأسم الجماعة والمهلل لها.
مع صعود الإنترنت وإنتشاره في عام 2000، كان للإخوان مشاركة فورية في هذا التاريخ من خلال الموقعين العربي والانجليزي "الإخوان ويب". حينما أعلن الرئيس محمد مرسي حكومته في أغسطس 2012 كانت هناك مفاجأة صغيرة تنتظرنا وهي أن الوزارات التي تتعامل مع الشباب والتعليم والإعلام أي وزارات التعليم والشباب والإتصالات والإعلام جميعها أصبحت في يد الاخوان المسلمين بعيداً عن الوعود الكثيرة بحكومة الانقاذ والتوافق. الغريب أن وزير التعليم إبراهيم غنيم لم يندرج في التقارير الإعلامية ضمن الوزارات الإخوانية برغم أن تاريخه القصير يثبت بوضوح أنه تم إنتخابه ممثلاً لجماعة الإخوان وإنه ذو ولاء كامل لهم ومساعدة الإخوان له أثناء الإنتخابات الرئاسية لجامعة السويس.
إن جهود الإخوان لإختراق الإنترنت خاصةً الفيس بوك إزدادت جزئياً بعد الإزدياد السريع في عدد المشاركين فهناك 11 ونصف مليون عضو في الفيس بوك في مصر، مليونين منهم إشتركوا في الستة أشهر الأخيرة فقط، مع ملاحظة أن أعمار المشاركين في الفيس بوك تتراوح بين 13 إلى 34 سنة. وبعيداً عن إزدياد المشاركين فإن الفيس بوك يعد ترمومتراً للمعارضة السياسية منذ أن كان له دور الريادة في 25 يناير وفي الأشهر التالية لبداية الثورة، حيث ظهرت المساحة التي كان يتجادل فيها النشطاء ويتناقشون حول الثورة التونسية وإمكانية إحداث ذلك في مصر والتي تفاهموا فيها حول قرارهم تجاه الإستفتاء في 11 مارس حيث إتخذت جمهورية الفيس بوك الثورية موقفاً مختلفاً عما حدث خارجها، وخرجت جميع إستفتاءات الفيس بوك بأكثر من 70% بالتصويت بـ"لا" برغم أن التصويت ب"لا" لم يحقق رسمياً أكثر من 22.7% و هذا ليس بغير مؤثر كما يعتقد البعض.
وبعد فترة ليست بقصيرة أصبح الفيس بوك مرادفاً لـ"صوت الثورة" وكان من الشائع وقتها أن يسأل سائق التاكسي أحد الشباب "هو الفيس بوك بيقول إيه النهاردة ؟" ، وأحيانا بأسلوب آخر يسأل أحد المتقدمين سناً في المقاهي مجموعة من الشباب "هو انتوا اتفقتوا على إيه على الفيس بوك في موضوع اـ.... ؟" وهذا جعل الناس في الشارع تقول بعد الإستفتاء "جاءت النتيجة بنعم لكن الثورة كانت ترغب في قول لا". هنا بدأت جماعة الإخوان تتعامل مع الفيس بوك بحذر كفضاء مستقل، فكما كثفت الجماعة جهودها للسيطرة على ميدان التحرير كثفت أيضاً جهودها لتتحكم في أي جدل يدور على الفيس بوك. إن تواجد الإخوان على الإنترنت غامض ويصعب رصده بدقة حيث أن معظم النشاط الإلكتروني هو نشاط تمويهي يخلو من الشفافية.
يبدو أن الجماعة تستخدم خمسة درجات أو أساليب للتعامل الإلكتروني أولاً: التواجد الرسمي مثل الصفحة أو الجروب الرسمي لحزب الحرية والعدالة أو الصفحات التي تعلن من عنوانها الإنتماء المباشر للجماعة أو أفكارها.ثانياً: الصفحات التي تظهر في البداية مستقلة ثم يظهر ولائها للإخوان المسلمين شيئاً فشيئاً في تصاعد موسيقي إلى أن تصل للولاء الكامل لتكون الصفحة في نهاية المطاف صفحة إخوانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ونعطي مثال لذلك وهي شبكة رصد وهي شبكة إخبارية تقترب اليوم من مليوني Like حيث حينما أُنشأت صفحة رصد في 25 يناير 2011 في بداية الثورة المصرية كان منشئو الصفحة (Admins) مجهولون عن عمد وكانت الصفحة تظهر كوحدة ذات إنتماءات مستقلة، وفي سلوك إحترافي بدأت الصفحة تكشف هويتها تدريجياً إلى أن أصبحت الصفحة إحدى الصفحات المنتمية للإخوان المسلمين في كل شيء ما عدا الاسم، والمثير أن شبكة رصد كانت تنمو ككيان إقليمي له فروع في ليبيا وسوريا وتركيا وفلسطين. ثالثاً: الصفحات المتعاطفة مع الإخوان والتي يقوم فيها الأدمن ببوستات وتعليقات داعمة للإخوان المسلمين، ولكنها دائماً تنكر أي إنتماء للجماعة. رابعاً: صفحات مستترة ذات إنتماء كامن، هي التي تظهر غير مهتمة بالسياسة أصلاً ولكن عند اللحظات الهامة أو الحرجة مثل الانتخابات أو المظاهرات الحاشدة أو الأحداث السياسية الفارقة تظهر فجأة داعمة للإخوان بشكل كامل. خامساً: الميليشيات الإلكترونية المجندة، وهي تستخدم بروفايلات (profiles) حقيقية وزائفة تتحرك عبر صفحات وجروبات تتداخل في الحوارات الدائرة على الفيس بوك لتوجه الأراء في إتجاه الإخوان المسلمين، على سبيل المثال بروفايل "مصري مصري" وبروفايل "هند عربية".
في الفترة ما قبل الإنتخابات الرئاسية في مرحلة الإعادة بين مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي والوزير السابق في نظام مبارك أحمد شفيق كانت صفحات الفيس بوك مشتعلة بالجدل السياسي، وكان الكثير من متخذي الموقف المؤيد لمحمد مرسي يظهرون كما لو كانوا ينقلون الأسطر من نص معد لهم مسبقاً. الجمل المتشابهة كانت تظهر بكثافة عالية جداً من المنتمين إلى جميع المجالات من المعروف أنهم ذوي اهتمامات سياسية بل ومن الغير مهتمين بالسياسة، وكان من أشهر العبارات المنتشرة على الفيس بوك "أنا مش إخوان بس بحترمهم" "أنا بكره الإخوان المسلمين ولكن بدعم محمد مرسي عشان أخلص من شفيق" "أنا عارف إنهم يسعون لمصالحهم الخاصة بس مننساش إنهم كانوا معانا في ميدان التحرير" "ماتخليش كراهيتك للإخوان تعميك" "الإخوان أنانيين بس مش فاسدين" وهكذا... ، والغريب إنه على مستوى الصحافة اليومية لم يشير أحد أو يسلط الضوء على الميليشيات الإلكترونية ماعدا الصحفي والكاتب محمد سلماوي.
أحد الأعضاء السابقين للإخوان المسلمين والذي لازال على علاقة مقربة للجماعة أوضح أن "الحملة الإلكترونية لمحمد مرسي كانت شديدة القوة على الفيس بوك وتويتر، أستطيع أن أجزم أن كل صفحة كبرت أو صغرت على الفيس بوك كان يتم إختراقها من الإخوان المسلمين" وهو يؤكد أن قادة الاخوان يقومون بتوزيع ملفات من الاسئلة والإجابات لشباب الإخوان المشتركين على الإنترنت تحت عنوان "شبهات وردود" هذه النصوص تغذي الأعضاء بالنقاط التي يجب التحدث عنها وكيفية مواجهة الإنتقادات لتكون هذه النصوص على شكل قوالب كلامية ليقوم أعضاء الإخوان بحفظها في عقولهم أو نقلها لاستخدامها وقت الحاجة، والملفت للنظر إنه حينما تخرج أحد نقاط النقد خارج القوالب التي قام الأعضاء بإستلامها وبالتالي نموذج الإجابة الإخواني يتعثر إستخدامه، تسعى حينها الميليشيات الإلكترونية بكل السبل إلى دفع الطرف الآخر المنتقد أو المجادل إلى إطار النص النموذج لكي يستطيعوا إستخدامه، وإن فشلوا في ذلك فلا يجدوا إلا الأساليب المعتادة مثل الدعاء للطرف الآخر بأن يهديه الله سبحانه وتعالى الى الحق. على سبيل المثال إنه على أحد الصفحات الداعمة للثورة والمنتقدة للإخوان المسلمين "حلمت بالميدان قبل أن يسكنه الملايين" أظهرت كيف تعمل الميليشيات الإخوانية الإلكترونية أو"لجان النسخ واللصق".
في أحد البوستات (posts) التي كانت تناقش سلبيات الرئاسة الإخوانية (محمد مرسي) وقرارتها الغير متفقة مع أهداف الثورة، هناك شخصان علقوا تعليق متطابق ونرى في النموذج التالي تامر فؤاد وأشرف عبيد يستخدمون نفس القالب النصي بلا أي تعديل ولو طفيف، يقولون "بإختصار شديد لكل من يفكر في ثورة ضد الإخوان ... الإنتخابات مكنش فيها تزوير وأغلبية الشعب إختارت مرسي ... إديله فرصة نشوف حيعمل ايه ... إنتوا سكتوا 30 سنة ... إصبروا عليه سنة واحدة وإتكلموا بعدها ... على فكرة والله أنا مش إخوان بس بقول كلمة حق.
وهذه أمثلة لما يفعله شباب الإخوان وهم يرصون الإجابات التي نقلوها من القوالب المعدة مسبقاً أو من قاعدة البيانات حيث ترى تلك القوالب في جميع أنحاء الفيس بوك والتويتر.
[النقاط المتكلمة - من صفحة "حلمت بالميدان قبل أن يسكنه الملايين"]
وهكذا لا يفوت الإخوان المسلمين فرصة لإحتكار الشباب وإيقاعهم تحت سيطرتهم وسيادتهم في إطار تلك الألعاب الميكافيللية المتجلية في نشاطهم على الإنترنت، فبالتالي بعد صعود الإخوان كقوة مهيمنة على مصر فنحن نحتاج إلى بعض الفحص والتدقيق في سلوكهم وأسلوبيتهم على الإنترنت. نعرض هنا إحدى عشرة آلية أو خاصية سلوكية تستطيع أن تتعرف من خلالها على الميليشيات الإلكترونية الإخوانية على الفيس بوك. نلقي الضوء على كيفية عمل المكائد أو الألعاب الأيديولوجية الإلكترونية على الإنترنت ونعتبر هذا ركيزة أساسية للإحاطة به ومواجهته لمن يرغب في ذلك.
1. الإستيلاء على لغة الثورة (وتغيير تعريف المصطلحات لحساب الجماعة)
في التراث الشعبي مثل شهير" الزن عالودان أمر من السحر" ، يقول العالم الأمريكي "جورج لاكوف" الباحث في علوم الإدراك واللغويات أن التكرار اللغوي له قوة تغيير العقول في بحثه عن صعود اليمين المحافظ في الولايات المتحدة الامريكية، حيث أظهر أن كلمة "الحرية" حينما يكرر المحافظون استخدامها بكثرة بغير معناها التقدمي المعروف يكون القصد تحريف المفهوم في العقل الجمعي، بنفس الطريقة يسعى الإخوان المسلمون للإستيلاء على لغة الثورة فالكلمات التي لها دلالة قوية مثل الديموقراطية – النظام القديم أو حتى كلمة ثورة نفسها تم الإستيلاء عليها من الإخوان، فتقوم الميليشيات الإلكترونية للجماعة ليس فقط بتجريد هذه الكلمات من أي دلالة تقدمية أو تحررية بل تختزلها إلى مفاهيم تستوجب الدعم المستميت لمشروع الإخوان بلا أي نقد أو تساؤل.
فنأخذ على سبيل المثال مفهوم "الديموقراطية"، بعد فوز الإخوان في الإنتخابات البرلمانية والرئاسية عملت الجماعة بإستماتة على إختزال مفهوم الديموقراطية في صندوق الإنتخابات، فلقد إنتصرت الديموقراطية في يوم الإنتخابات وعلينا أن نعطي إختيار الديموقراطية فرصة كاملة دون أن نقف في طريقه، وفي الواقع هم يعنون أنه على المواطنين الإلتزام بالصمت التام وأن يمتنعوا عن أي رد فعل وعلى قاطني الشارع السياسي أن يوقفوا الحراك حتى يوم الدورة القادمة في الإنتخابات بعد أربعة سنوات وخلال الأربع سنوات من حق الإخوان أن يتحركوا بالدولة في أي إتجاه يبغونه أياً كان. بين يدي المليشيات الإلكترونية الإخوانية مفهوم "الثورة" لم يعد يتعلق بالكرامة أو الحرية أو العدالة الاجتماعية بل أصبح يعني تغيير الأفراد المسؤولين من النظام القديم في الدولة بآخرين من الإخوان، وحتى كلمة "فلول" نفسها التي تشير إصطلاحياً إلى الباقين من النظام القديم تم تجريدها من معناها الأصلي وإستبدالها بتعريف جديد، فكلمة فلول تطلق على أي شخص ينتقد الإخوان المسلمين .
ونرى هنا أحد الصفحات المعادية للفلول "اتنين فلول وواحد طعمية".الصفحة تم إنشاؤها في يوليو 2011 وهي تعيد تعريف كلمة فلول بعيداً عن تعريفها الأصلي وتعلن بوضوح أن الفلول هم كل من يعادي الاخوان. بالإستيلاء على المعجم السياسي وإعادة صياغة التعريفات بحسب هوى الإخوان المسلمين، تستطيع الجماعة إرباك الشباب والناس عامةً والتلاعب في أطرهم المعرفية وإشغال عقولهم بما يتناسب مع مصلحة الجماعة. وقد تعددت الصفحات بل البروفايلات بعنوان "قوتنا في وحدتنا" الذي أصبح شعار حملة مرسي في الإنتخابات وهو الشعار الذي أطلقه محمد البرادعي بعد الثورة داعياً الجميع للإلتفاف حول مصلحة المواطنين في سلوك يتخطى الأيدولوجيات مستشهداً بحال التيارات السياسية في التحرير ولكن الشعار بعد الإستيلاء عليه إختلف معناه إلي قوتنا في وحدتنا وإلتفافنا حول الإخوان في الإنتخابات ليحصلوا على السلطة أو إلتفافنا حولهم بعدها ليبقوا في السلطة، وعلى التيارات السياسية جميعاً أن تذوب داخل مشروع الجماعة.
2. الإنكار والتنكير
من صفحة الميدان هو الحل:
"هو أنا لازم أقول إنى مش إخوانى كل شوية ولا الصفحة تبع الإخوان
أنا بشرب سجاير والله علبتين فى اليوم كمان
ومش بصلي فى الجامع تقريباً غير الجمعة بس
وبلبس جينز :)
ارحمونا بقى !!!!!!!!!!!!!!!!"
إن كان لك خبرة شخصية في التعامل مع الإخوان المسلمين فمن المعتاد من أعضاء الجماعة أنهم بالإضافة لإنكارهم الإنتماء للجماعة، يتنكرون لها بتأكيدهم على أنهم يشربون السجائر أو أنهم لا يصلون سوى يوم الجمعة أو أنهم يصاحبون الفتيات أو يشربون الخمر أو يستمعون للموسيقى، هذا السلوك مرتبط بفكرة التقية التي تعني حرفياً الحفظ أو الإخفاء وهي مدرسة إسلامية ظهرت أولاً عند الشيعة، والتقية هنا هي أن يخفي الفرد إنتماءاته وقناعاته وآراءه وإستراتجياته، وهم يستخدمونها هنا لكي يجعلوا أي دعم يقدمونه أو مواجهة للإنتقادات يستميتون فيها والهجوم تظهر كما لو كانت تخرج من شخصية محايدة كي تكون أكثر تأثيراً وإقناعاً.
صفحة الفيس بوك "الميدان هو الحل" تقدم نفسها كصفحة مدنية مستقلة لمجموعة من الشباب، تنشر أحياناً صور لممثلات وأخبارهم ولا مانع من أن تقوم بإنتقادات ضعيفة لشخصيات من الإخوان ولكنها في الأوقات الحرجة قبل الإنتخابات مثلاً نجد أدمن الصفحة يضع كل طاقته لدفع المشاركين في الصفحة لدعم مرشح الإخوان بل وبعدها لدعم قرارات مرسي المصيرية. هل كانت الصفحة إخوانية منذ البداية ولكنها تنتظر إلى أن يصل عدد الأعضاء إلى عدد كبير وذو جدوى وعندها تُستخدم الصفحة لدعم الإخوان وقت اللزوم؟ ، لا يمكن القطع بذلك ولكن سلوك الأدمن يثير الشكوك في إستقلالية الصفحة وفي الصفحات الشبيهة التي تتحول إلى أدوات إخواني عن جدارة في اللحظات الفارقة.
3. الإحتفاء الإجلالي المصطنع بحرية الصحافة (أو صناعة دراما الواهب الأعلى للحرية)
عند عودة محمد مرسي في 16 يوليو 2012 من أثيوبيا عاد في موقف بطولي إلى القاهرة، في أثناء رحلعودته مر الرئيس مرسي على السودان وأعلن أن توقفه كان بغرض التفاوض حول عودة الصحفية المصرية شيماء عادل، وعادت الصحفية الشابة بالفعل مع الرئيس مرسي على طائرته الخاصة، قامت وقتها الوكالة الإخبارية الإخوانية على الفيس بوك "شبكة رصد" بتقرير يصف كيف مرسي يحترم الصحافة ومن يحترم الصحافة هو بالتأكيد يحترم المواطنين، وأنه بإنقاذه شيماء يفتح مرسي تاريخاً جديداً في عهد الصحافة المصرية.
[مرسي يعود منتصرا مع شيماء - من شبكة رصد]
وأستطاع ان يضع مرسي نفسه في دور واهب الحرية للصحافة حينما يتدخل بقراراته الرئاسية العلوية للإفراج عن الصحفين المحبوسين في قضايا حرية الرأي وهو الموقف الذي حدث في القضية الشهيرة ضد إسلام عفيفي رئيس تحرير جريدة الدستور، أُتهم عفيفي بإهانة الرئيس والقضية لازالت قائمة ولكن عفيفي أفرج عنه بقرار جمهوري من واهب الحرية.
هذا النوع من التحركات من الرئيس مرسي يستطيع أن يمتص غضب المنتقدين ويأخذ الأضواء بعيداً عن أي إنتهاك لإستقلال وحرية الاعلام برغم أنه في الفترة نفسها تناثرت ملفات القضايا بعنوان "تهمة إهانة الرئيس" مثل قضية توفيق عكاشة وعبد الحليم قنديل المحرر في جريدة "صوت الأمة".
4. التسخيف من المعارضة
الإخوان المسلمين مثل أي فصيل سياسي سلطوي يتعامل مع منافسيه بالتسخيف منهم وإخفاس حقهم، فكان جزء من عمل مليشيات الإخوان هو أن ينشروا ميمات معادية لبعض رموز الثورة أو القادة الذين لا ينتمون للجماعة ويعدوا خصوم لها مثل محمد البرادعي وحمدين صباحي وأحياناً مع إعلاميين مثل إبراهيم عسيى، هذه الميمات لا تحتوي على أي حوار حقيقي أو جدل سياسي جاد حول المواقف السياسية وكل الغرض منها هو التقليل من شأن هذه الشخصية العامة وإظهارها كشخصية حمقاء وغير رشيدة، ومن خلال التكرار المبالغ فيه لهذه الميمة يأمل الإخوان أن تتحقق الرسالة الخفية المرجوة وهي ألا تؤخذ هذه الشخصية بشكل جدي بعد ذلك، نأخذ على سبيل المثال صفحة إخوانية تحمل عنوان "حمدين صباحي واحد خمنا" المرشح الرئاسي الناصري الذي كاد أن يصير رئيساً لمصر في الإنتخابات الأخيرة، الصفحة الإخوانية تستخدم عنوان يسخر من شعار حملة حمدين وهو "حمدين صباحي واحد مننا"
[حمدين صباحي - من صفحة https://www.facebook.com/
من خلال الخلفية المستخدمة والبالونات الملونة بالإضافة لصورة حمدين التي يبتسم فيها وهو مغمض العينين، فالرسالة المرغوب توصيلها هي أن صباحي مثل طفل أحمق وغير رشيد، لهذا هو لا يصلح أن يؤخذ بجدية ليكون رجل دولة، نلاحظ أن الإخوان هذا هو أسلوبهم الرئيسي في الهجوم بإستخدام التسخيف والتكرار فقط ليس أكثر، حيث أنهم يفتقدوا أسلحة هامة في الهجوم وهي النقد المنطقي من جهة أو روح الدعابة من جهة أخرى وهذا لأن الجماعة في طبيعتها جماعة أصولية لا يعتمد تشكيل عقلية الفرد بداخلها على تنمية العقل النقدي الذي يواجه خصومه بالنقد الممنهج والجدل الممنهج الثري، الشخصية العقلانية الناقدة لا تصلح ان تكون عضواً في كيان الإخواني لأنها لن تكون مطيعة ومنساقة لأوامر القادة بل ستكون معطلة ومجادلة و ستؤثر علي تحرك الكيان بكفاءة، أما عن روح الدعابة فهي تحتاج إلى مساحة شاسعة من الحرية والإبداع ومساحات يخوض فيها الأصولي بحذر لأنه لم يعتدها، فالضحك عند الأصولي له حدود والنكات لها رقابة وضوابط، وفي حالتنا الإخوانية هذه ما أبوخ الإفيهات إن تحولت إلى قوالب محفوظة عليها رقابة و قيود ينحصر دور المليشيات الالكترونية فيها على النسخ واللصق.
5- صناعة البطل/ المجاهد/ الخليفة
الأسلوب العكسي لتشويه المعارضة وتصويرها كشخصيات لا تستحق المنافسة وغير جديرة بالإهتمام هو أن تُظهر من هم في صفك كأبطال ومجاهدين وقديسين، كل بطل يحتاج إلى عدو يحتاج إلى قوى الشر التي سيقف أمامها مظهراً شجاعته وبسالته الفائقة، لا يهم إذا كان من سيقوم بدور الوغد هو بالحقيقة يستحق العداوة أم لا، ولا يهم إذا كان ما يدور بين البطل والوغد هو صراع أم صفقة، كل ما يهم هو إقناع الجماهير بأمجاد البطل.
صفحة "المنوفية على الفيس بوك: لشباب المنوفية فقط"
[ شعر ومديح في مرسي]
هي صفحة تعلن عن نفسها كصفحة للشباب المستقل فقط، ولكنها في الواقع تظهر كصفحة مؤيدة لمرسي والإخوان بقوة، حيث نشرت الصفحة بورتريه لمرسي مع أشعار تمجد أعماله البطولية وذلك أثناء بداية توليه الرئاسة حينما أراد أن يعيد البرلمان بقرار جمهوري، وقد صورته الصفحة كقرار يمثل ضربة قاصمة للعسكر، وذلك من خلال قصيدة من المديح مكتوبة خصيصاً لهذا الحدث.
مرسي يُمجد على أنه القائد السياسي، البطل الهمام الذي يتخلص من العسكر موحد عناصر الأمة بكل أطيافها وفي الحقيقة إننا لم نرى يوماً صراع حقيقي بين العسكر والإخوان، بل كانوا منذ اللحظات الأولى أصدقاء وداعمين لبعضهم البعض منذ حديث طنطاوي مع شباب الإخوان في التحرير حتى مقابلة عمر سليمان حتى أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء، لم يتعرض الإخوان من العسكر لأي إنتهاك أو إعتداء طوال عام ونصف برغم تعرض كل الفصائل لذلك، ولكن حينما يشعرفريق الإخوان والعسكر بالضعف يضطر الإخوان لتصنع ضرب العسكر كما يفعل المصريين في مشاجرات الشوارع، فحينما يكون أحد الأفراد ممن في صفوفك في "العركة" مصدر لضعفك أو حينما تشعر أنكم تكادوا أن تُهزموا تنقلب على زميلك في تمثيلية تروق للطرف الآخر في أغلب الأحيان وتجعله يتوقف عن مهاجمتك وأحياناً يمدح تصرفك.
وفي صفحات أخرى يُقدم مرسي مثل خليفة، فهو الرئيس التقي الورع ذو صلة لا تنقطع بالله سبحانه وتعالى، ومن أشهر الفيديوهات التي أستخدمتها تلك الصفحات هو فيديو بعنوان "الرئيس محمد مرسي يبكي في الحرم" وهو فيديو يظهر المشاعر الدينية المتأججة للرئيس مرسي أثناء أداءه للعمرة خلال رحلته للمملكة العربية السعودية، وتلك الصورة المقدسة للرئيس مرسي يسعى الإخوان المسلمون بدون شك لترسيخها في العقل الجمعي شيئاً فشيئاً ، وحينما تقبل الجماهير المصرية الرئيس مرسي كأيقونة دينية تكون الأيديولوجية الإخوانية تم تحميلها بشكل كامل والسيطرة على الدولة ستكون محكمة لا تحتاج إلى تأمين .
6. قطع الطريق أمام النقد وتشويهه
المليشيات الإلكترونية تقطع الطريق أمام أي نقد مستقبلي بإستخدام أدوات حرفية مثل "تخيل أن - ياريت يحصل– ماذا لو" ، وهم يدعون أنهم يتخيلون سيناريوهات مستقبلية يكون الهدف من إختلاقها تمهيد الرأي العام للقرارات والأفعال التي ستصدر بالفعل مستقبلاً من الجماعة (مرسي) وتشويه أي رد فعل مضاد أو نقد سيواجه القرارت المستقبلية.
نأخذ على سبيل المثال صفحة "امسك فلول" التي يزيد عدد اللايكات فيها عن 334 ألف لايك. حينما تم إنشاءها ظهرت كحملة شبابية مستقلة ضد رجال النظام القديم، لكن منذ أن دعمت مرسي في إنتخابات الإعادة خرجت هويتها الحقيقية إلى السطح وصارت داعمة للجماعة على طول الخط، ولاشك لدينا الآن أنها إحدى صفحات الاخوان المسلمين.
أدمن الصفحة نشر هذا الكارتون الفلولي والذي من المفترض ان يكون توصيفاً ساخراً للصوص مبارك من النظام القديم وهم يُعاقبون على جرائمهم، ولكن النص الملحق بالكارتون كان له تفسير بديل للصورة نستطيع أن نقول أنه تفسير إخواني متميز.
[" كارتون امسك فلول" - من صفحة http://on.fb.me/UpHpJU]
الخطاب الإخواني هنا صخب وواضح جداً وشديد اللذاعة، المتحدث هنا يسعى لضرب وسد الطريق على أي نقد مستقبلي يمنع الجماعة من الحصول على السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية، أي أن الجماعة نفسها تعمل على تعطيل النقد المستقبلي وتحضير الأرضية لبناء دكتاتورية الحزب الواحد.
هناك شيئاً آخر نلاحظه في هذا البوست، فلقد وضع المتحدث هنا "أبو العز الحريري" أحد أهم الأعضاء المؤسسين لحزب التحالف الشعبي في نفس الكفة خلسة مع الشرطة التي قتلت الثوار في 28 يناير، بل سعى أن يقنع القارئ خلسة أن ضرب الإخوان لأبو العز الحريري يحمل القيم الثورية ذاتها التي يحملها ضرب الثوار للشرطة ونضالهم ضدها في 28 يناير، وأن أبو العز الحريري أحد المعارضين المعروفين لنظام مبارك هو مثله مثل رجال الأمن قتلة الثوار الذين كانوا يعذبون الثوار في السجون وأقسام الشرطة، وهذا بالطبع لأن أبو العز الحريري أحد معارضي الإخوان.
7. اللعب بكارت الإسلاموفوبيا
صفحة "جروب الصور الطريفة والغريبة" ظهرت في الأصل كصفحة مستقلة للتسلية تعرض الصور الغريبة مثل قرد يلبس نظارة – أطفال يقومون بتصرفات ملفتة – صور كارتونية مضحكة، هذا الجو المسلي جذب 97 ألف لايك، ولكن الصفحة بدأت تنشر رسائل سياسية ودينية أحياناً، تدعم تكوين حكومة إسلامية أحياناً، تتغزل في خطابات مرسي أحياناً، وحينما قام زائري الصفحة بالتشكك في قدرة الإخوان على قيادة الدولة إلى حالة مدنية دستورية سليمة بدأ الأدمن يتهم المشاركين في الصفحة بالإسلاموفوبيا.
الحقيقة أن تهمة الإسلاموفوبيا من الغريب أن يستخدمها الإخوان في غير موقعها بهذا الشكل ولا يتم تفنيد الإتهام، حيث أن الإسلاموفوبيا تتعلق بخوف غير المسلمين من المسلمين كنتيجة للفزع الذي أنتشر بعد قيام بعض المسلمين بعمليات إرهابية ونسب أفعالهم الإجرامية للأسف إلى الإسلام، مما أدى لظهور عند بعض غير المسلمين خاصةً في الغرب فوبيا من التعامل مع المسلمين خاصةً عند هؤلاء الذين لم تتح لهم الفرصة أن يتعرفوا على الإسلام طوال حياتهم.
بالتالي فالذي يتهم الآخرين بالإسلاموفوبيا في مصر فكما لو كان يتهم المسلمين بالخوف من الإسلام والمسلمين أو ربما يتهم الأقباط المصريين بالخوف من الإسلام والمسلمين، وهذا كله يتنافى مع المنطق، فكيف لمسلم أن يخشى الإسلام والمسلمين أو كيف لقبطي عاش مع المسلمين ألف وربعمائة عام أن يخاف هو الآخر، ولكن هذا يتفق مع منطق واحد هو أن المتحدث أي الإخواني يعتقد إنه مسلم والآخرون ليسوا كذلك بل ويعتقد أن القبطي يخشى الإسلام لأنه يظن واهماً إنه كإخواني يُدخل الإسلام الى مصر. ولا عجب أن في أحد تصريحات صفوت حجازي أنه قد أشار لفرحته العارمة بتعيين أول مذيعة محجبة في التليفزيون المصري ودخول الإسلام مصر.
8. جذب الأنظار بعيداً عن الأحداث الجارية إلى مواقع أخرى لا تتوفر عنها المعلومات الكافية
بعد إعلان نتيجة الرئاسة وفوز مرسي بأربعة أيام بدأت مجموعات على الفيس بوك حملات توعية مكثفة عن إضطهاد المسلمين في "بورما"، حركة 6 أبريل وضعت على عاتقها حمل هذه القضية بل وبدأت تنظم المظاهرات أمام سفارة بورما في 28 يونيو، وأُستخدمت صفحة "مباشر 6 أبريل" (156,883 لايك) للتوعية عن إضطهاد المسلمين هناك.
[ذبح المسلمين على يد رهبان بورما - من صفحة http://www.
ولكن لماذا بورما ولماذا في هذا التوقيت؟ نستطيع فقط أن نخمن أن هناك ثلاث أسباب رئيسية تدفع المليشيات الإخوانية الإلكترونية لتحويل تركيز وإنتباه المجموعات الثورية إلى قضية بورما.أولاً: بورما تجذب إنتباه الشباب المسيس بعيداً عن القضايا الوطنية من إصلاح التعليم والإصلاح الاقتصادي والقضايا العمالية والعمل على بناء أحزاب سياسية جديدة قادرة على المشاركة والمعارضة السياسية بقوة وتجعل الشباب يركز في قضية خارجية فهمها متعثر تتسم بنقص المعلومات والحقائق الملفقة. فننظر مثلاً إلى هذه الصورة التي إنتشرت بشكل شاسع على الإنترنت في مصر والسعودية في يونيو 2012 بعنواين تراجيدية حول الرهبان في بورما وذبحهم للمسلمين، تكتشف بقليل من البحث أن تلك الصورة ليست لضحايا مسلمين مقتولين على يد الرهبان بل هي صورة نُشرت في أبريل 2010 على موقع "أهل التبت" الذي يصور رهبان التبت وهم يدفنون ضحايا زلزال الصين في 2010. ثانياً: إن قضية إضطهاد المسلمين في بورما تنشط فكرة الهوية السياسية الإسلامية التي يرغب الإخوان أن يتوحد حولها الشباب في المنطقة كبديل للثورة والحرية.ثالثاً: قضية بورما تصلح كبديل جيد للقضية الفلسطينية التي إستخدمها الإخوان المسلمون لسنوات طويلة للسيطرة على الشباب وتحريكهم دون أي صدام حقيقي مع النظام المصري، والآن حينما حصل الإخوان المسلمون على السلطة والقوة فإستخدام قضية فلسطين سيحول بينهم وبين ترسيخ العلاقات الدبلوماسية والإقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل، وبالتالي فإن بورما تصلح كوسيلة مؤقتة لدعوات الغضب والوحدة الإسلامية كما أنها تخدم رغبة أمريكا في تكوين معسكر إسلامي مناهض وكاره للمعسكر الشرقي للصين وايران.
9. أنسنة السياسي
عبر التاريخ والناس الذين خلف الناس الذين هم في السلطة يسعون دائما لدفع أفراد المجتمع للتركيز على الصفات الإنسانية للقادة السياسين بدلاً من مواصفاتهم وسلوكهم السياسيين. الإخوان كأفراد في الجماعة هم في النهاية أشخاص مخلصين وطنيين أتقياء (يعرفوا ربنا) وكل ما يريدوه هو الخير لهذا الوطن، وإن أخطأ الإخوان المسلمون فهذا لأن كل إنسان في العالم له أخطاءه لا أكثر، فنحن بشر وتلك الأخطاء بالتأكيد لن تكون بسبب إستغلال النفوذ أو سياسيات غير نزيهة أو أغراض بعيدة. هذه الإستراتيجية لإظهار الصفات الإنسانية والمستضعفة للقادة السياسين تخلط السياسي بالإنساني وتشخصن السياسة وتخويها من مضمونها.
فلنأخذ البوست التالي في صفحة"آخر أخبار ميدان التحرير" التي نشرت كلمات محمد سعد أبوالعزم تحت عنوان "حب مصر وكراهية الإخوان المسلمين"
" نعم ...من حقك أن تعارض الإخوان، وتنتقد أداء نوابهم وقيادتهم، فمن قال إنهم لا يخطئون؟ من قال إن كل" ما إتخذه الإخوان من قرارات كان صحيحاً؟ هم بدون شك تجمع بشرى يجتهد فيصيب ويخطئ، ولكن المؤكد أنهم فصيل وطني له رؤيته فى إصلاح البلاد؛ التى قد يختلف البعض معها، وقد سجلت تحفظاتي عدة مرات على بعض تلك القرارات" تلاعب آخر على المشاعر الإنسانية كان يحدث على الفيس بوك والإنترنت عامةً وهو الذي كان يركز على أن متطلبات المرحلة أكثر من أن يحتملها محمد مرسي كإنسان، فهو يضطر ألا ينام من أجل مصر، وهو ما ترتب عليه بالتالي إننا علينا أن نقلل من متطلباتنا حتى نخفف من عليه الضغوط ، وأن نكون مقدرين لما يفعله وليس ناقدين لمن لا ينام. وهذه أحد البوستات الشبيهة في صفحة "شباب وفتيات مصر في السعودية"حينما كانت تستجدي عطف الناس وتكتب "أنا بتمنى أعرف هو امتى بيبقى عنده وقت ينام".
10. أن تشيع عن نقطة ضعفك أنها نقطة قوتك : صفحة "إحنا آسفين لأننا منظمين"
[من صفحة https://www.facebook.com/
تظهر كيف يتباهى الإخوان المسلمون بما يعتبرونه أحد أهم فضائلهم، فالصفحة تقدم الشكل التنظيمي للإخوان على أنه كنز الجماعة، والإخوان المسلمون هو تنظيم غير شفاف وغير ديموقراطي لا يمكن بأي شكل مقارنته بالنظام الديموقراطي العادل الذي تحلم به مصر الثورة، فشباب الإخوان ينفذون الأوامر الموجهة لهم من صناع القرار وهم مجلس شورى الإخوان، لا يحق لهم أن يسألوا وإن سألوا فعليهم أن يسألوا الأسئلة المجهزة مسبقاً في قوالب الشبهات والردود، والأعضاء يعلون في المراتب داخل الجماعة بحسب ولائهم للقادة داخل هذا البناء فالكفاءة هنا معادلة للولاء للقائد وهو ما يتنافى تماماً مع القيم الإجتماعية والسياسية الجديدة التي تطرحها الثورة.
والحقيقة أن الهيكل التنظيمي وأسلوب الإدارة والتنظيم داخل الإخوان هي أكبر نقطة ضعف لديهم، فكيف لتنظيم ديكتاتوري أن يؤسس الديموقراطية في مصر، ولكن أستطاع الإخوان أن ينشروا ميمة أن أسلوبهم التنظيمي ميزة ونقطة قوة يكاد الجميع أن يصدقها برغم عجز الإخوان عن تكوين حزب سياسي أصلاً ذو قرار منفصل عن مجلس شورى الجماعة. وحتى اليوم يجتمع الرئيس بمجلس شورى الإخوان ويتحدث المرشد العام الذي لم يحصل رسمياً على أي منصب سياسي داخل الدولة أو داخل حزب الحرية والعدالة عن خططه لمستقبل مصر، ويقوم شباب الإخوان بتأمين المباراة بدلاً من الشرطة وكأنه جهاز أمني موازي للجهاز الأمني الرسمي. ولازال الكثيرون يصدقون أن فضيلة الإخوان أنهم منظمون.
11. شيطنة الإنترنيت
[ شيطنة الفيس بوك - من صفحة http://www.
سيظل الإنترنت لا يمكن السيطرة عليه أو توقع ما سينتج عنه بغض النظر عن الجهود المستميتة للإخوان، فيضطر الإخوان أحياناً للعب على المخاوف الدينية لإثناء الشباب عن الفيس بوك وتويتر. أحد أشهر المتحدثين بأسم الإخوان في الإعلام وهو صفوت حجازي قارن الفيس بوك وتويتر ب"اللات والعزى" آلهة الوثنين في مكة في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام حيث أكد في نهاية حديثه التليفزيوني في يوليو 2012 ان الإنترنت هو مسيلمة الكذاب.
والحقيقة أن هذا الوصف فيه مفارقة لأنه يصلح لوصف أساليب المليشيات الإلكترونية الإخوانية للسيطرة الأيديولوجية. ومن جهة أخرى فالمليشيات الإلكترونية بلغة أقل حدة كانت تثني الشباب من إهدار طاقتهم على الفيس بوك وتويتر، ولا ننسى إنتقادتهم المستمرة والقوية لمحمد البرادعي وتويتاته التي تنتشر عبر وكالات الأنباء والجرائد والمواقع الإلكترونية بل يتناقلها عدد لا يحصى من حسابات الفيس بوك و الذي ينتقيها البرادعي بذكاء ولا يكثر منها، وبالتأكيد أن هذا الإنتقاد الإخواني لمحمد البرادعي ونشاطه على تويتر ليس هدفه أن يدفع البرادعي بأن يقوم بأعمال أكثر اتصالاً بالشارع بل هدفه إثناءه عن أن يكون شخصية فعالة على التويتر والإنترنت وربما انسحابه من التويتر يفتح لهم مساحات أرحب.
فإن الإنترنت يكون فعالاً حينما يكون جهاز يستطيع الإخوان من خلاله تحميل أيديولوجياتهم ويكون شيطاناً حينما يعجزوا عن ذلك. لذا فلا عجب أن الإخوان يحلمون بفيس بوك يسمونه إسلامي أو بلفظ أوضح فيس بوك إخواني يقوموا بإنشاءه بدعم من الخليج يحركون من خلاله الشباب في المنطقة و يروجون له بأفكار براقة عن الأخلاق والقيم الدينية.
الأيديولوجية لم يتم تحميلها بشكل كامل ... هل تريد إلغاء الأمر؟
للأفضل أو للأسوء...للنفع أو للضرر سيستمر الفيس بوك في كونه منبر حرج، مساحة يدور فيها الجدل الحاد والتشاور المتروي حول مستقبل بديل قابل للتحقق، ملايين من المستقلين سواء مواطنين إلكترونين أو نشطاء إلكترونين يتشاركون في هذا الفضاء مع جماعة تبحث عن القوة لها مليشيات إلكترونية تحركها بالأمر تسعى لتحميل أيديولوجياتها وأن تشكل على هواها اللغة السياسية والعمليات العقلية داخل عقول المستخدمين.
الجماعة ذات البناء القمعي تقدم نفسها كجماعة تحررية، فإن الجماعة التي تعتمد على التخفي والتلاعب تقدم نفسها كجماعة تحرص على الشفافية والديموقراطية. أقرت العديد من السياسات المريبة للنظام القديم في محاولاتها للإصلاح.
تُحدثنا عن مشروع إبداعي خلاق وتقتل الشخصية والإبداع الفردي في شبابها، فيتحول شبابها ليس في الفيس بوك فقط بل في الواقع إلي بروفايلات خاوية من الخصائص والمعلومات (info)، يملؤها القادة بالقوالب حسب الحاجة. فأكثر ما يحزنني حين يدخل أحد الشباب الإخواني بأحد القوالب التي تلقى أوامر نشرها ويكون داخل القالب أنه يعمل في كذا أو لديه خبرة في كذا أوتربى في كذا، وهذا القالب يتنقله الآلاف من المفترض أنهم أفراد مختلفين، فقد أُبطلت شخصيتهم لصالح القادة لم يُبطل عقلهم النقدي وإبداعهم فقط. وعدت بالكثير ولم تقدم سوى الخطاب، ولكن حينما يصبح خطاب ما ممتداً ومنتشراً بغزارة يصبح انتقاده شديد الصعوبة. على المواطنين العادين في الفضاء الإلكتروني الرافضون لتحميل الأيديولوجية أن يعملوا بشكل فردي أو جمعي لمقاومة هذا التحميل وألا ينخدعوا بالبروفايلات الكاذبة والقوالب الموجهة المعدة مسبقاً. وفي الحقيقة هناك الكثير من المستخدمين لديهم وعي كامل بكثير مما ذكرنا لتكتيكات وربما أكثر وعليهم أن يستمروا في فك شفرات تكتيكات الخطاب التي تستجد على الساحة الإلكترونية أول بأول، عليهم أن يرفضوا أي تضييق على المساحات المادية والإفتراضية في الفضاء الإلكتروني التي كانت يوماً ما مجالاً للروح السقراطية الجمعية التي تشارك فيها الجميع بالأسئلة الأساسية الهامة، الوطنية والسياسية والإنسانية لأن إنطفاء تلك الروح التي بدأت بها الثورة يقطع الطريق أمام تحقيق أهدافها.
إن الطليعة الإلكترونية تستخدم فضاءات الإنترنت بأساليب إبداعية مرحة منفتحة سياسياً وتوعوياً، تكشف الحقائق للجماهير في وجه السلطة وتحرك الإبداع في العقول. هناك صفحات كثيرة مثل صفحة "كارلوس لاتوف" أو "الحملة القومية ضد السرسجية" أو "أنا إخوان أنا مقطف بودان" وصفحات أخرى، كل هذه الصفحات لم تعد كافية الآن للتعامل مع التسونامي الاخواني على الفيس بوك وعلى المجتمع ككل.
الذين لازالوا مستمرون في النضال من أجل الديموقراطية والكرامة والعيش ... الذين لايزالوا يدافعون عن أهداف الثورة، يحتاجون إلى فهم أكثر فهماً وتدقيقاً لتحركات وتكتيكات الإخوان الأيديولوجية، فقط من خلال الإقتراب من الإنترنت والإعلام الرسمي والغير رسمي بأعين مفتوحة واعية ومحللة، وعليهم أن يكتبوا بأيديهم السيناريو المستقبلي الخاص بهم نحو حريتهم وحريات ذويهم. عليهم اليوم أن يبدعوا نموذجهم الخاص للوطن بدلاً من أن يعيشوا كمواطنين محملين بقوالب مكتوبة في عقولهم تقودهم نحو مصالح جماعة بعينها.
[نشر هذا المقال للمرة الأولى على "جدلية" باللغة الإنجليزية]